العنف ضد المرأة

العنف ضد المرأة: نوبات ذعر وفرار من المنزل وندوب لا تمحى

بصوت مرتعش، تتذكر مريم، اسم مستعار، ذلك اليوم الذي لم تبلي فيه بلاء حسنا في المدرسة، إذ عنفتها والدتها لفظيا وقررت أن تنتظر حتى يعود الأب ‘ليؤدبها’.

أمسك الأب عصا وهم بضرب مريم، فأخذت تركض في البيت حتى تمكنت من الاختباء خلف التلفاز.

حاول الأب أن يصل إليها فوقع التلفاز على قدمها.

أصيبت الفتاة ذات السنوات العشر، فهُرع الأب والأم بها إلى المستشفى، ووسط انهيار الأم قالت لزوجها: ‘إذا أصيبت ابنتي بمكروه، سأقاضيك أمام المحكمة’.

أثناء انتظار الطبيب، قبلت مريم أباها وقالت له ‘لا تقلق إذا ذهبنا للشرطة لن أقول لهم إنك السبب في إصابتي وسأقول إنني وقعت’. انهار الأب باكيا ووعدها بأنه لن يعنفها مرة أخرى.

هل يمكن أن يكون العنف ضد المرأة “مضحكا”؟

كيف تستقبل دول عربية اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء؟

‘لا أدري لماذا قلت له هذا، لكنني أتذكر أن خوفي من فقدانه كان أكبر من غضبي منه’ تقول مريم التي أوفى والدها بوعده ولم يضربها مرة أخري بل امتنع عن ضرب إخوتها أيضا.

وكان دائما ما يقول لهم ‘عليكم أن تشكروا أختكم، لولا هذا الموقف لكنتم تربيتم على الضرب’.

تحسنت العلاقة بينها وبين أهلها بعد ذلك ولكن الخوف مازال من عدم رضاهم عنها يؤرقها.

“لقد حاولتُ النجاح في كثير من الأمور في حياتي المهنية حتى أشعر بفخرهم”.

تحمل مريم آثار ندوب نفسية بسبب ضرب أهلها لها في الصغر. فالضرب كان جزءًا من تربيتها حتى سن العاشرة.

الضرب كان مرتبطا بفعل خاطئ ترتكبه مريم مثل ضعف أدائها الدراسي أو عدم تنفيذ تعليمات الأب أو الأم.

“أصبحت أرى الضرب نتيجة لشعورهم بعدم الرضا والفخر بي ولكنني كنت طفلة بالتأكيد سأخطئ”.

‘لا نعود أسوياء’

ترى مريم أن الضرب أثر عليها في حياتها، إذ أصبح الصوت العالي مصدر خوف بالنسبة لها، “كنتُ أصاب بنوبات ذعر إذا سمعت شخصا يصرخ بالقرب مني. لأن الصراخ مرتبط في ذاكرتي بالضرب. فهذه هي الخطوة الأولى قبل الضرب”.

وأضافت: “ليس صحيحا ما يُقال إننا نكبر لنصبح أشخاصا أسوياء برغم الضرب، فتظل هذه علامة لا تفارقني”.

رغم تحسن العلاقة بينها وبين أهلها إلا إنها لم تنس ضربهما لها في الصغر لذا قررت وهي في عقدها الثالث أن تبوح لهما بما في خاطرها.

‘تعجبوا أنني ما زلت أتذكر كل هذا ولكنهما احترما مشاعري وأعتقد أنني تخطيت هذه الذكريات وسامحتهما بسبب هذه المصارحة’.

من هن النساء المضطهدات أكثر في العالم؟

نساء يتحدثن عن تجاربهن في الحب والجنس والابتزاز عبر الإنترنت

مريم ليست الوحيدة

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر منذ شهرين قصة طالبة في المرحلة الإعدادية في الإسكندرية اختفت من بيت أهلها، وتبين بعد ذلك أنها فرت بسبب تعرضها للضرب.

ففي اليوم الذي فرت فيه، ضربها والدها لأنها كانت تشعر بالصداع ولا تريد الذهاب إلى التدريب الرياضي.

ذهبت الفتاة إلى القاهرة لتلتقي بشاب تعرفت عليه على تطبيق تيك توك ولكنها لم تجده فمكثت مع أسرة أخرى حتى عادت لأهلها.

انتشرت صور عودتها لأهلها، تظهر فيها الأم تحتضن ابنتها بشدة ولكن بدا على وجه الفتاة حزن وضيق.

وفي الشهر نفسه، انتشرت قصة أخرى لطالبة في جامعة المنوفية فرت من منزل عائلتها بسبب خلافات مع والديها وشقيقها الذي كان دائم الاعتداء عليها، وأكدت التحريات إقامتها لدى شخص ارتبطت به عاطفيا لعدة شهور قبل ذلك. وكانا اتفقا على الزواج هربا من مشاكل الأسرة.

تأثير العنف الأسري

يحتفل العالم باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة كل عام في الخامس والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني. وخصصت الأمم المتحدة اللون البرتقالي للتذكير بالحاجة إلى مستقبل خالٍ من العنف.

تقول الدكتورة سامية خضر صالح، أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس، إن تأثير ضرب الفتيات في الصغر قد يظهر في أكثر من شكل؛ من بينها افتقار الشجاعة لعمل أي شيء بمفردها أو أن تكذب الفتاة باستمرار خشية العقاب.

هذا التأثير قد يختلف من شخص لآخر حسب تغير الظروف والمستوى التعليمي والاجتماعي. فكثير من الآباء والأمهات الآن أصبح لديهم إدراك بعواقب العنف الجسدي على الأطفال لذا لا تتزايد هذه الظاهرة في مصر كما تقول الدكتورة سامية.

تحاول بعض الفتيات البحث عن حلول قد يكون من بينها الهروب، فتقول الدكتورة سامية ‘إحدى طالباتي كانت تتعرض للضرب أخبرتني أنها هربت من بيت أهلها وبعد أن عادت إليهم قالت إنها اختطفت’ وأضافت ‘قد تبحث عن من يحنو عليها حتى وإن كان غادرا بها’.

تضيف أن بعض الأزواج يقعون في خطأ الإنجاب المبكر من دون التفكير في إذا ما كانوا يستطيعون تحمل متاعب الطفل أم لا.

ووفقا لبحث أجراه المركز القومي للأمومة والطفولة بالتعاون مع اليونيسف عام 2015، تعرض أغلب الأطفال من سن 13-17 لشكل من أشكال العنف العام السابق.

وذكرت الدراسة أن العقاب الجسدي يبدو أمرا مقبولا من الأهل والمدرسين. وأغلب هذا العنف يحدث في المنزل بسبب الضغط الذي يشعر به الآباء.

مساعدة الفتيات المعفنات

إذا كان والد مريم قد توقف عن ضربها وأدرك خطورة ذلك عليها، ماذا عن الفتيات اللواتي لم يتوقف أهلهن عن تعنيفهن جسديا؟

تقول سماح حسين المديرة التنفيذية لجمعية ‘بناء المجتمع’، إحدى الجمعيات التي تستهدف ضحايا العنف من الأطفال، إن “الفتيات يتعرضن للعنف الجسدي والجنسي والإهمال بشكل أكبر من الفتيان”.

وزادت حدة العنف المنزلي عليهن بعد انتشار فيروس كورونا وما صاحبه من حجر منزلي.

تتخصص الجمعية في الحالات التي تتعرض لخطر محدق ولكنها تولي اهتماما للحالات الأقل خطرا لأنها قد تتطور. تقول سماح ‘البنت التي تصفع على وجهها قد يتطور الأمر على المدى البعيد ويؤثر عليها نفسيا’.

قد يتقرر إعادة إدماج الطفل في أسرته مرة أخرى إذا رأت الجمعية أن الأسرة صالحة للتعامل مع الطفل لكن على الأسرة حضور جلسات إرشاد أسري لتعلم طرق تربية الأطفال بدون الاعتداء جسديا عليهم.

وإذا تطلب الأمر تدخل الجمعية السريع لإنقاذ الطفل من العنف المحدق، يدمج الطفل مع عائل من الأسرة أو في دور رعاية للإقامة الدائمة. ويخضع الطفل لجلسات علاج نفسي، وتستمر متابعة هؤلاء مدة ستة شهور.

تقول سماح إن بعض الحالات تتعرض للانتكاس فتتدخل الجمعية مرة أخرى وأن أعداد الجمعيات المتخصصة في التعامل مع ضحايا العنف مع الأطفال وخاصة البنات، قليلة في مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى