أم سلمة.. ودرسٌ في القيادة

[ad_1]

بعد أن انتهى رسول الله من صلح الحديبية مع قريش، في القصة المعروفة التي وردت في كتب السّيَر والأحاديث النبوية، قال رسول اللَّه لأصحابه: قوموا فانْحَرُوا ثمَّ احْلِقُوا، وكانت المفاجأة أنه لم يقم منهم أحد!
فعزَّ ذلك عليه ورجع لخيمته، وفيها أم المؤمنين أم سَلَمَة «رضي الله عنها»، فذكرَ لها ما حدث، فقالت له: يا نبيَّ اللَّه، اخرج ثمَّ لا تكلّم أحدًا منهم كلمة، حتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَك. فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعلَ ذلك، فلمَّا رآه الصحابة قاموا من فَوْرِهم، فَنَحَرُوا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا.
وهنا تتجلى حِكمة أم سلمة ورجاحة عقلها، فهي تدرك مدى ارتباط الصحابة بقائدهم، ومدى تأثير فعله عليهم، فاقترحت عليه المبادرة بفعل ما أمرهم به؛ ليكون قدوة لهم في ذلك ويعلموا أن الأمر واقع لا جدال فيه.
وفي هذه القصة إشارة إلى إحدى أهم الطرق والإستراتيجيات الفعّالة التي يجب أن يسلكها ويمارسها القادة لتحقيق التأثير والتغيير المطلوبَين.
فقد أجرَت جامعة هارفارد دراسة استغرقت عدة سنوات على مئات الشركات الناجحة حول العالم، وقابلت رؤساءها التنفيذيين، لمعرفة الأسرار خلف استمرار واستدامة أثر بعض القادة الذين تركوا تأثيرًا وبصماتٍ واضحَة على شركاتهم ومنظماتهم، سواءً كانت حكومية أو خاصة، وتوصّلت تلك الدراسة إلى عددٍ من التوصيات، كان أهمها «القيادة بالقدوة».
وقد قيل قديمًا: «عملُ رَجُلٍ في ألفِ رجل أبلغُ من قولِ ألفِ رجلٍ في رجل».
وأتذكر أثناء جائحة كورونا -لا أعادها الله- أن وزارة الصحة دعت إلى أخذ اللقاحات، وهيَّأت كافة السبل للحصول عليها، وأطلقت حملة توعوية كبيرة من خلال المتحدث الرسمي للوزارة، وحساباتها على منصات التواصل الاجتماعي، وكنا نرى إعلاناتها التوعوية في كلّ مكانٍ تقريبًا. ومع ذلك لم يكن الإقبال كما هو مأمول، نتيجة الأصوات المشككة في جدوى اللقاحات، والترويج لمؤامرة عالمية هدفها تقليل عدد سكان العالم!
وما أن ظهر خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين «يحفظهما الله»، على شاشات التليفزيون وهما يتلقّيان الجرعة الأولى من لقاح كورونا، حتى صمت المشككون وتشجّع المترددون، وأقبل الناس زُرافاتٍ ووحدانًا على أخذ اللقاح في كل مدن المملكة.
فكان مجرد ظهور القائد القدوة أمام الناس أعظم تأثيرًا من حملات توعوية صُرِفَت عليها الملايين من الريالات. وهنا نتذكر ما قاله حكيم الهند غاندي: «كن التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم».
إن القادة المؤثرين في الشركات والمنظمات والوالدَين في البيوت والمربّين في المدارس والمجتمعات يدركون خطر مخالفة المبادئ والقيم التي ينادون بها، مستحضرين عتابَ الله «أتأمرونَ النَّاسَ بالبرِّ وتنْسَونَ أنفُسَكم»، يمشون بين الناس وشعارهم «وما أريدُ أنْ أُخالِفَكمْ إلى ما أنْهاكُمْ عَنه».
وكلما ترجم القائدُ مبادئه وقِيَمَه لواقعٍ يعيشه في كل تفاصيل يومه وقراراته، صار مثالًا يُحتذى، وتضاعفَ تأثيره في الناس، وطال بقاؤه في وجدانهم.

[ad_2]

رابط المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى