الكويت: قرار المصالحة الكويتية والعفو هل ينجح في إنهاء الخلاف السياسي الداخلي؟

الكويت: قرار المصالحة الكويتية والعفو هل ينجح في إنهاء الخلاف السياسي الداخلي؟

على الرغم من الشعارات الرنانة منذ إعلان أولى الخطوات التي اتخذتها الكويت نحو مرسوم العفو المنتظر من أمير البلاد. ومع إطلاق شعارات “ابتسم أنت في الكويت” و”تفاءل بالكويت”، بعد إعلان عفو غير مشروط لجميع المعارضين السياسيين في الخارج، وتخفيف الأحكام عن المحكوم عليهم في الداخل، حتى بدأت الصحف تسريب أسماء المشمولين بالعفو والشروط الخاصة بالعفو عنهم، لتشتعل وتيرة الغضب من جديد، إذ أعلن أحد النواب المعارضين فيصل المسلم رفضه العفو، بقوله في حسابه إما “عفو يسر الصديق، وإما عز يغيظ العدى. لا أخضع والله خير الحافظين”، معبراً عن رفضه المصالحة مع الحكومة.

ويشمل العفو عدداً من الطوائف بينهم ناشطون وبرلمانيون في قضية مقتحمي برلمان 2011 ومداني تركيا وخلية العبدلي، وذلك بعد وضع توصيات لشروط العفو بعد درسه من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وتداولت الصحف الكويتية أسماء 36 معارضاً سياسياً، ضمت القائمة الأولى 11 اسماً تم إعفاؤهم من العقوبة، وثانية شملت سبعة أسماء جرى إعفاؤها من قضاء ما تبقى من مدة عقوبتهم، وثالثة ضمت 18 اسماً، خفضت عقوباتهم إلى النصف.

الوضع السياسي أصبح كرنفالاً

وفي الوقت الذي أعلن فيه المعارض السياسي مسلم البراك شكره لأمير البلاد حول العفو الكريم والإصلاح السياسي الشامل في الكويت بعد موافقة مجلس الوزراء عليه، فإنه ما إن تسربت أسماء المعفو عنهم وشروط العفو، حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي باختلافات سياسية أكثر حدة، بسبب اختيار أسماء الدفعة الأولى والشروط.

وقال الكاتب الكويتي فايز الشمري إن الرأي العام في الكويت “مدينة ملاهي، لا يوجد صمود ولا يوجد التزام. الوضع كرنفال، من لا يرى ما يحصل حالياً ويقول لك خليك (كن) متفائل فهو شخص منسلخ من الواقع وأعمى بصيرة. ما دخل خلية العبدلي في المعارضين السياسيين؟”.

لقاء متلفز لتهدئة الوضع

وفي محاولة للمعارض السياسي سابقاً والنائب الحالي عبيد الوسمي، الذي كان له دور إيجابي في المصالحة الوطنية ومساعي العفو في البداية، لينقلب عليه المعارضون بعد قراءة الشروط المنشورة في الصحف بأن لا يشارك المعفو عنهم في أي نشاط سياسي، وتشديد الرقابة عليهم، فاتهمه بعضهم بالخيانة بحسب ما أشار المعارضون إلى اتفاقه مع المجلسين التنفيذي والتشريعي، ليظهر الوسمي في قناة مجلس النواب الخاصة ويقول، “لقد تكرم أمير البلاد بتكليفنا بمهمة من أكثر مسائل السياسة دقة وتعقيداً، وفي مرحلة من أكثر مراحل العالم دقة وخطورة”.

وأضاف، “إن ما يشهده العالم من متغيرات على جميع المستويات والأصعدة يتطلب منا جميعاً أن نضع مصلحة الكويت فوق أي اعتبار وكل اعتبار. إن ما يعيشه الإقليم من تحديات أمنية ومتغيرات اقتصادية، وما يشهده العالم من تحولات سياسية وما يصاحبها من انعكاسات وآثار اقتصادية يوجب علينا جميعاً أن نوجه الطاقات والجهود إلى ما يحقق مصالح الدولة وقوة ثباتها وديمومة مواردها والمحافظة على مستوى معيشة مواطنيها ضمن حدود ما هو متاح ومعقول”.

وأكد الوسمي أن “مراعاة مصالح الدولة وظروفها في الموقف والرأي والسلوك هي العودة المثالية للمشاركة الوطنية الحقيقية، كما أن وحدات الدولة ممثلة بمؤسساتها هي انعكاس لوجودها أياً كان شكل السلطة أو شخص من يمثلها، ومصالح الدولة لا تختلف باختلاف أشخاص ممثليها وسلطاتها الثلاث، هي جسم واحد قائم على التعاون وتوزيع المهام لا التنافس والضدية”.

وتابع، “إن الخلل في الممارسة ليس ناشئاً سوى عن سوء فهم طبيعة المؤسسات وأغراضها وعملها، فسلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية متكاملة البناء لا متنافسة، متعاونة لا متهاونة، وإن أي خلل في بناء سلطة من السلطات هو بالضرورة اعتداء على الدستور والنظام العام”.

واستطرد الوسمي، “لقد وضعت اللجنة خريطة طريق محددة المعالم والأهداف والمدد الزمنية مع مراعاة ظروف الكويت وإمكاناتها وقدرتها على النهوض بتلبية الطموحات المشروعة للأمة، مؤكدين للجميع المحافظة على الثوابت الدستورية وعدم القبول بأي قدر من التنازل عن حق الدولة في الرقابة والتشريع، وأن قضايا الفساد واستعادة أموال الدولة ستكون على رأس الأولويات خلال المرحلة المقبلة”.

وختم، “لقد دشن صاحب السمو أولى خطوات المصالحة الوطنية الشاملة باستعمال صلاحياته المقررة في المادة (75) من الدستور والخاصة بتقرير العفو الخاص، وافتتح عهداً جديداً من الحوار بين الجميع شعاره التسامح والتعاون والبناء. إن الكويت بحاجة إلى جهود جميع أبنائها لتشكيل عهد يجعل مصالح الدولة محوراً لكل الأهداف”.

ازدياد حدة النقد

غير أن محاولته باءت بالفشل بعد تدشين المعارضين وسماً على “تويتر” ينتقد كلمته، مطالبين بإقالة وزير الإعلام للسماح له بهذا اللقاء.

وقالت الإعلامية الكويتية فجر السعيد “لا تفرضوا علينا مشاعركم أنتم كدولة، فبعد مرافقة الخطاب ديكورات وإعلام وصور وآيات قرآنية، يتضح حجم تأجيج العواطف، فاحترموا عقولنا واتركوا الصورة الذهنية العالقة حول استقلال المعارضة عن البرلمان”.

كما طالبت السعيد بإقالة وزير الإعلام، لأنه من الواضح “أنه لا يقدر الأمور بأبعادها السياسية كلها”. مضيفة، “وزارة الإعلام تحتاج إلى رجل يفهم بالإعلام السياسي وعنده بعد نظر وتقدير تعاطي مع الأحداث والمعطيات والتعاطي مع الشارع”.

ورد بعض داعمي الوسمي على المنتقدين بتوجيه شكر خاص له في الوسم نفسه، إذ أكد النائب أحمد مطيع أنه “ليس هناك تحصين لمجلس الوزراء، ولن تفرض ضرائب على المواطنين بعد العفو”، معتبراً ذلك مكسباً حققه الوسمي لصالح المعارضة.

إنشاء لجان متضاربة المصالح

وفي محاولة لكسب الشارع، أعلن البرلمان لجنة لتقصي أموال النواب برئاسة عبيد الوسمي، وما إن أعلن عنه حتى تقدم النواب من المجموعة التاسعة التي لم توقع على بيان العفو، بطلب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية موازية للغرض نفسه، حول متابعة الشبهات والتحويلات المالية، ليثبت انفصال مجلس الأمة والأهداف من جديد، وذلك لقيامهم بإنشاء لجان متضاربة المصالح.

وقال الكاتب هلال العنزي، “بعد ظهور الأسماء بدأ الشارع الكويتي يدعم بأغلبيته النواب التسعة الذين لم يوقعوا على العفو ضد تحالف عبيد الوسمي ونوابه الـ 22 والغانم ونوابه الـ 17، وهما يشكلان حماية الحكومة، لذا ما الداعي إلى استقالتها وتعطيل الجلسات الـ 12؟”.

خلية العبدلي وقوائم أخرى قادمة مشمولون بالعفو

واستنكر المحامي الكويتي بدر الزيد أسماء من جرى العفو عنهم، وقال، “هل يعقل أن يتم العفو عن 11 من مقتحمي المجلس مقابل 25 من خلية العبدلي وتركيا؟”.

وذكر رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم أن هذا هو التقرير الأول، وستكون هناك تقارير أخرى، لأنه “لا يعقل ولا يمكن واقعياً ومنطقياً أن يتم درس القضايا كافة خلال هذه الفترة الوجيزة”.

وزراء نساء بدلاً من الرجال

وذكر محللون سياسيون أن القوائم الأخرى والتقارير ستكون بعد تشكيل الحكومة التي توقع كثيرون أنها ستتأخر، لتقترح الإعلامية الكويتية فجر السعيد أنه إذا لم تجد الكويت رجالاً يقبلون المناصب خوفاً من مجلس الأمة، فالنساء أفضل من حيث تجارب البلاد معهن، راجية التوسع في التوزير النسائي. ومضيفة، “على الرغم من أننا بدأناها إلا أن دول الخليج تفوقت علينا في توزير النساء”.

وجاءت أسماء المشمولين بالعفو الأميري في ثلاث قوائم، بحسب صحف محلية، ضمت 11 اسماً تم إعفاؤها من العقوبة، وثانية شملت سبعة أسماء جرى إعفاؤها من قضاء ما تبقى من مدة عقوبتهم، وثالثة ضمت 18 اسماً، خفضت عقوباتهم إلى النصف.

وشملت المجموعة الأولى مبعدي تركيا المدانين بأشهر قضية سياسية في الكويت، وهي قضية “دخول مجلس الأمة”، وبينهم نواب سابقون على رأسهم المعارض مسلم البراك.

كما شملت المجموعة الثانية والثالثة مدانين بقضية “خلية العبدلي”، ومتسترين على هؤلاء المدانين الذين صدرت بحقهم جميعاً أحكام قضائية على فترات متفاوتة.

ودانت الكويت مطلع عام 2016 “خلية العبدلي” التي تتألف من 25 كويتياً وإيراني واحد بالتجسس لمصلحة إيران و”حزب الله” اللبناني و”ارتكاب أفعال من شأنها المساس بسلامة ووحدة أراضي دولة الكويت”.

وقضت محكمة الجنايات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، بحبس المتهمين بالتستر على مداني الخلية غيابياً، لأن المتهمين تخلفوا عن حضور الجلسة.

وكان أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أصدر مرسومين قضيا بالعفو عن مواطنين مدانين في قضايا متنوعة، بعد يوم من تبني الحكومة الكويتية مسودة خاصة بمراسم العفو وإحالتها إلى أمير البلاد.

وقبل ذلك أصدر نواب كويتيون بياناً التمسوا فيه من أمير البلاد العفو عن الكويتيين المدانين في قضايا سياسية، إيذاناً بتنفيذ أولى خطوات المصالحة الوطنية، وفي إطار نتائج الحوار الوطني الذي جمع أخيراً ممثلين عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.

ووصف قرار العفو بأنه يهدف إلى إنهاء مشكلات ومواجهات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد.

وتعتبر قضية العفو من أبرز القضايا المثارة في البلاد منذ سنوات، وكانت أحد أسباب تأزم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتوتر العلاقة بين بعض النواب بسبب شمولية العفو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى