المماليك .. من هم؟

من هم المماليك؟

كلمة مملوك  تعني العبد، وقد أُطلِقَت هذه الكلمة على الجنود الّذين تم استعبادهم للمشاركةِ في الحروبِ، فقد قام حُكّام مصر باستقدام هؤلاء المماليك؛ ليكونوا جنوداً في حروبهم، وقد كان الأصل التركي هو الأكثر من بين الأصول الأخرى للمماليك، كما اعتمدت أغلبُ الدول الإسلاميّة على المماليك باعتبارهم جزءاً من القوّةِ العسكريّة لديهم.

وفي عصرِ الدّولة الأيوبيّة ازدادت الإستعانة بالمماليك، خصوصاً في عهد ورثة القائد صلاح الدّين الأيوبيّ، الذين اهتمّوا بتدريبِ المماليك؛ حتى يشاركوا في حروبهم، وهذا ما فعله كل من الملك العادل، وكذلك الملك الكامل، ومع مرور الزّمن استطاع المماليك التّدخل في الحكم، فامتدت سيطرتهم إلى دمياط، وذلك في فترةِ انشغالِ الدّولةِ بالحملاتِ الصّليبيّةِ التي كانت بقيادةِ ملكِ فرنسا لويس التّاسع، ومرض السّلطان نجمُ الدّين. وبعدَ ضعفِ الدولة الأيوبيّة قام المماليك بإسقاط آخر سلطان أيوبيّ، ألا وهو الملك الأشرف في مصر، وأقاموا حكماً خاصاً بهم، وبعدَ انتهاءِ معركة عين جالوت، وانتصار المماليك فيها على المغول، تمكّن المماليك بذلك من تأسيسِ امبراطوريّة إسلاميّة، وقاموا بذلك بالسّيطرة على مكّة المكرّمة، والمدينة المنوّرة، وكانت عاصمتهم القاهرة، والّتي تعدّ مركزاً فنيّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً في العالم الإسلاميّ والعربي.

المماليك البحريّة

سُمّي المماليك البحريّة بهذا الاسم كونهم يعيشون بالقربِ من البحرِ؛ أيّ بالقربِ من نهر النّيل الذي كان يُسمّى بحر في ذلك الوقت، وقد سكنَ المماليك بجانبِ البحرِ في قلعةٍ بناها لهم الملك الصّالح أيّوب، حتى يصبحون قريبين من قصرهِ، فكان قصر الملك الصالح أيّوب، وقلعة المماليك البحريّة في القاهرة في منطقة تسمّى الرّوضة، وقد كان للماليك مناصب مهمّة في الدّولة والجيش، فكان فارس الدّين أقطاي يليه ركن الدّين بيبرس من القادة المهمّين في عهد الملك الصّالح أيّوب. المماليك البرجيّة سُميّ المماليك البرجيّة بهذا الاسم لأنّهم عاشوا في أبراجِ القلعة، كما أنّ هذا الإسم أُطلق عليهم؛ حتى يتمّ التّفريق بينهم وبين المماليك البحريّة، وقد استعان بهم السلطان قلاوون بشكلٍ كبيرٍ؛ نظراً لقوتهم وشجاعتهم، وقد كان مؤسّسُ هذه الدّولة هو السّلطان برقوق، وقد تعاقب خمسةٌ وعشرون سلطاناً على حكمِ دولة المماليك البرجيّة، واستمرّ حُكمهم 134 سنة.

الفنون والصّناعات في عهد المماليك

كانَ للمماليكِ اهتمامات وإبداعات في الفنون بشتّى أنواعها من فنٍّ عمرانيّ، وصناعاتِ الزّجاج، والنّسيج، وكذلك الخشب، وقد دعمت تجارتهم الجّيّدة هذه الصناعات، وجعلتهم يعيشون في رفاهيّةٍ بالرغمِ من وجودِ بعضِ الخلافاتِ والصّراعاتِ داخل الدولةِ المملوكيّة، ومن أهم هذه الصّناعات والفنون:

  • صناعةُ الزّجاج: تعدُّ المشكاة (مصباح المسجد) من أهم النّماذج والأمثلة على إتقانِ المماليك لصناعةِ الزّجاج؛ حيثُ أبدعَ المماليك في صناعةِ الزّجاج بشتّى أنواعه شفافاً كان أم مُلوناً، وقد قاموا بزخرفتهِ بطرقٍ مختلفةٍ، منها: التّطعيمُ الملّون، والتّحزيز، والقطع.
  • صناعةُ الأنسجة: تميّز المماليكُ في صناعتهم للسجّاد الدّمشقيّ، وكانت لهم طريقةً مميزةً في زخرفةِ السّجاد وألوانه، وكذلك في طريقةِ حياكته، كما أنّ في متحف الميتروبوليتان في فيينا بعض من النماذج عنه.
  • صناعةُ الأواني المعدنيّة: الصّناعات المعدنيّة أبرزت لنا مدى إبداع المماليك في الزخارفِ والرّسومات الّتي كانوا يُزيّنون بها الأواني، وخصوصاً تلك التي كانت تُقدّم كهدايا، فقد زيّنوها بأشكالٍ هندسيّةٍ غاية في الدّقة، إضافةً إلى نقوشٍ بالخطِ الكوفيّ، وكذلك خط النّسخ، عدا عن تلك الأواني المزيّنة بصورِ الحيوانات والطّيور.
  • المخطوطات المُذهّبة: اهتمّ المماليك بالمخطوطات، وخصوصاً مخطوطات المصاحف، فظهر هذا الاهتمام بطريقةِ تزيين المصاحف؛ بإضافةِ زخارفٍ وخطوطٍ جميلةٍ بالخطِ النسخيّ وخط الثّلث، ونجدُ أمثلةً على هذهِ المخطوطات في دار الكتب في القاهرة، وكذلك في متحفِ دبلن شيستر بيتي.

العمارة عند المماليك

كانت العمارة في عهدِ المماليكِ مميّّزةً ومتنوعةً، فظهرت بأكثرِ من شكلٍ ونوعٍ، وقد قُسّمت إلى قسمين، وهما:

  • العمارة الدّينيّة وتتمثّلُ العمارة الدّينية في العهدِ المملوكي بما يأتي: عمارةُ المساجد: حافظَ المماليك على الشّكلِ العامِ في طريقةِ بناءِ المساجد، فكانت تحتوي على حرمٍ مسقوفٍ، وأروقةٍ أربعةٍ تُحيط بصحنِ المسجد غيرِ المسقوف، ويعدُّ أقدمُ المساجدِ في العهدِ المملوكيّ هو مسجد الظّاهر بيبرس؛ إلّا أنّ أهمّها وأجملها هو مسجد السّلطان قلاوون؛ إذ إنّه لم يكن مسجداً فحسب بل كان يضمُّ العديد من المباني المزخرفة، مثل: ضريح السّلطان، ومقصوراتٍ للطلابِ، وكذلك بيمارستانا أي مشفى.
  • عمارةُ المدرسةِ والخانقاه: عمارةُ المدارسِ بشكلٍ عام، كانت تلحقها وجود مصلّياتٍ وأضرحةٍ، وكانت عمارةُ المدارسِ تُقسم إلى إيوانين كل إيوانٍ يُقابل الآخر، أمّا بالنّسبةِ للخانقاه؛ فقد كانت مخصصةً لجماعاتٍ محددة، كالصّوفيّة ورجالِ الأعمالِ؛ حيثُ يُخصّص لهم قسمٌ خاص من مبنى الخانقاه.
  • عمارةُ المدافن: اهتمّ المماليك بعمارةِ المدافن، سواءً أكانت مدافنَ مستقلّةً، أو مدافنَ تحتوي على مُلحقاتٍ ومبانٍ أخرى، وقد تميّزت المدافنُ بقبّتها المزيّنة بأشكالٍ هندسيّةٍ وزخارف نباتيّة في غايةِ الجّمال.

العمارة المدنيّة

تتمثّلُ العمارة المدنيّة عند المماليكِ بما يأتي:

  • عمارةُ القصور: إنّ اهتمام المماليك بالقصورِ لم يقف عند إنشائها، وإنّما قاموا بترميمِ القصورِ التي بناها السلاطين الأيوبيين، مثل قصرُ السّلطان نجم الدّين في الروضة، أمّا بالنسبةِ إلى القصورِ التي أنشأها المماليك، فنذكر منها: قصرَ السّلطان الظّاهر بيبرس في دمشق، وكذلك قصرُ السّلطان قلاوون في القاهرة.
  • عمارةُ الحمامات: يعتبر حمام التّيروزي من الحمامات التي أنشأها المماليك في دمشق، وتنقسمُ الحمامات إلى ثلاثةِ أقسامٍ رئيسيّةٍ، أوّلها: قسمُ المشلح، ويحتوي على بركةِ ماء تنفتح على الصالة لاستراحة المُستحمّين تُسمّى “أواوين”، وثانيها: القسم الوسطانيّ؛ الخاص بالتّدليك، أمّا آخرها فهو القسمُ الحار الذي يتميّزُ بقبابهِ.

انهيار دولة المماليك

جاءَ انهيارُ المماليك بعدَ انتشارِ الطاعون، فقد أثّرَ بشكلٍ كبيرٍ على قوةِ المماليك، وخصوصاً أنّه أصابَ فئةَ الشبابِ منهم، وهي الفئة المُهمّة في الجيشِ، إضافةً إلى الهجماتِ المتكررةِ على الدولة المملوكيّةِ من قِبَل مملكة قُبرص الّصليبيّة، وكذلك البندقيّة؛ إلّا أنّ أشدّ هذه الهجمات كانت عام 1400م، والتي قامَ بها تيمورلنك على سوريا، هذه العوامل جميعها أضرّت بدولةِ المماليك وأضعفتها بشكلٍ كبيرٍ، إضافةً إلى أنّ اكتشافَ طريقِ رأسِ الرّجاء الصّالح قد أضعفَ تجارة المماليك، وكان ذلك في عهدِ آخر سلاطين المماليك قانصوه الغوري. بعدَ هذا الضّعفِ الذي أصابَ المماليك نشبت معركة بين جيشِ المماليك وسلطان الصّفويين سليم العثمانيّ؛ إذ سُمّيت هذه بمعركةُ مرج دابق الشّهيرة التي هُزِمَ فيها المماليك وقُتِلَ فيها قانصوه الغوري؛ إلّا أنّ معركة مرج دابق لم تُنهِ حكم المماليك، بل كانت هنالك معاركَ وحملات أخرى أدّت إلى نهايةِ حكم المماليك، منها حملة نابليون على مصر، كما خاض المماليك معركةَ الأهرامات وهُزموا بها، إلّا أنّهم أظهروا براعتهم في القتالِ، وأظهروا قوتهم في معركةٍ أخرى وهي معركة الصّالحيّة.بعدَ هذهِ المعارك ازداد ضعفُ المماليك، وكان محمد علي باشا قد أخذَ على عاتقهِ إنهاء حكم المماليك، فكانت المأدبة التي أقامها لهم في القلعة هي التي أنهت وجودهم وحكمهم لمصر، فبعدَ دعوته لهم وخروجهم من القلعةِ أمرَ جنوده بالقضاءِ عليهم، وانتهت بذلك فترةَ حكم المماليك لمصر، ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى