تساؤلات بعد زلزال تركيا: هل يمكن للسدود المائية أن تحدث زلازل؟!

بعد الزلزال الأخير في تركيا وسوريا ووقوع عشرات الآلاف ما بين قتيل وجريح، كثر الحديث في الآونة الأخير عن سبب حدوث الزلزال، وعن احتمالية أن تكون السدود التركية سبباً فيه، نوضح في هذا المقال إمكانية وقوع زلزال بسبب السدود المائية من عدمه.

 

مما يتكون سد التخزين؟

يتكون السد التخزيني الكبير من سد خرساني أو صخري بارتفاع يبلغ 15 متراً، وحائل لمنع تسرب المياه عبر أساس السد، ومجرى تصريف آمن للفيضانات، ومخرج سفلي لخفض الخزان في حالات الطوارئ، وهيكل سحب المياه لسحب المياه من الخزان للاستخدام التجاري. كما توجد مكونات أخرى مثل: مدخل للطاقة وجهاز التحكم في التدفق البيئي ومحطة للطاقة وغيرها.

يوجد في تركيا 861 سداً قيد التشغيل من بينها: سد أتاتورك الذي يبلغ 817 كيلو متراً مربعاً وسد كيبان البالغ 675 كيلو متراً مربعاً، وسد إليسو بسعة 313 كيلو متراً مربعاً وسد كاراكايا البالغ 268 كيلو متراً مربعاً، بالإضافة إلى سد هرفانلي الذي تقدر سعته 263 كيلو متراً مربعاً.  

وقد شيدت كل تلك السدود لتوليد الطاقة الكهرومائية وإمدادات الري والتحكم في الفيضانات، ومعظم هذه السدود من السدود الصخرية أو الترابية.

ما الزلزال الذي يمكن للسد تحمله؟

يجب أن يكون السد قادراً على تحمل اهتزاز الأرض حتى أثناء الزلزال الشديد، وهو ما يسمى باسم السلامة الزلزالية للسدود MCE، وتعد السدود الكبيرة آمنة بشكل عام إذا استمرت في البقاء لمدة تصل إلى 10000 آلاف عام دون تأثر، أي أن احتمالية تأثر السد بالزلزال بنسبة 1% فقط. 

 

يعد العالم كاردر أول من أشار إلى حدوث الزلازل عن طريق الخزانات المائية عام 1945م، وذلك بسبب زلزال بحيرة ميد في الولايات المتحدة الأمريكية والذي تجاوزت شدته 6 درجات على مقياس ريختر، ثم توالت الزلازل بسبب بحيرات التخزين في الصين وزيمبابوي والهند واليونان ومصر. وبسبب إمكانية حدوث تلك الزلازل أُنهي العمل على بناء سد أوبورن في كاليفورنيا إحدى الولايات الأمريكية عام 1978م. 

 

ويحدد الدكتور عمر الشرقاوي -أستاذ الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بالقاهرة- العوامل التي تتحكم في تأثر السدود بالزلازل، فيقول:

  • يعتمد اختيار أماكن بناء السدود على الطبيعية الجيوفيزيائية للمنطقة، ودراسة زلزالية تلك المنطقة.
  • يجب دراسة طبيعة الصخور الموجودة بالمنطقة؛ لمعرفة إمكانية تحملها للضغط الذي يسببه بناء السد من عدمه.
  • يلزم عند إنشاء أي سد أن تبنى خلفه بحيرة يمكن ملؤها أو تفريغها على فترات، مما قد ينتج زلازل مستحدثة في تلك المنطقة لا تتعدى درجتين ريختر.
  • لا بد من إنشاء شبكة رصد زلزالي حول السد؛ لمتابعة حركة ملء وتفريغ بحيرة التخزين ومعرفة تأثير الزلازل على حركة السد من عدمها.

 

بينما يعتقد الدكتور براكاش، عالم ميكانيكا الصخور في المعهد الدولي بالهند، أن السدود في حد ذاتها لا تسبب أي زلزال، لكن الغرض الأساسي من بناء تلك السدود هو حجز المياه المتدفقة، ما يؤدي إلى تكوين خزان كبير أو بحيرة من الماء يغمر فيها جزء كبير من الأرض على أحد جانبي النهر الذي بني عليه السد، وهو ما يؤدي إلى زيادة ضغط المياه المسامية في تلك المنطقة.

 

هل يمكن أن تحدث الزلازل بسبب سدود التخزين؟

يمكن أن تحدث الزلازل بسبب سدود التخزين في حال:

  1. وجود خطأ ما أو انهيار أو تشوه في منطقة الخزان.
  2. وجود ضغوط تكتونية عالية لا يمكن تحملها، فإذا بني الخزان في منطقة نشطة تكتونياً قد يؤدي ذلك إلى حدوث زلازل في أي وقت، وقد لوحظ أن الخزانات التي يزيد عمقها عن 100 متر تسبب زلازل، وقد حدثت بالفعل 6 زلازل لهذا السبب وبلغت قوتها 5.7 ريختر، بينما كان أكبرها 6.3 كما في سد Hsinfengkiang في الصين وسد كوينا في الهند.

 

يوضح براكاش: “إذا حدث أي خطأ في منطقة تخزين المياه أو لم تكن الدراسات الجيوفيزيائية كافية، فإن هذه الزيادة المفاجئة لضغط المياه المسامية قد تسبب زيادة تدفق الماء إلى باطن الأرض على أحد جوانب النهر الذي بني عليه السد، بينما يظل الجانب الآخر من النهر جافاً، مما قد يسبب حدوث انزلاق لإحدى الصفائح التكتونية الأرضية، ما ينتج عنه زلزال في تلك المنطقة. لذا يجب إجراء تقييم تكتوني لمنطقة تخزين المياه واختيار مكان خالٍ من هذه المخاطر”.

 

الجدير بالذكر أن عالم الفضاء المصري عصام حجي أوضح في تصريح خاص لمجلة نقطة العلمية أن: “فهم قوة وموقع الزلزال الحاصل في تركيا وسوريا سيحتاج محاكاة رقمية ودراسة من العلماء، وفي نظري تأثير بناء السدود وغيرها من العوامل الأخرى على حدوث الزلازل تأثيراً ضعيفاً بالمقارنة بالقوة الموجودة في حركة الألواح التكتونية الموجودة في القشرة الأرضية، وهي العامل الأساسي. ويمكنني القول بأن العلم لا يستطيع الجزم بأي شئ، لكن بنسبة 99% هذا هو السبب الرئيسي”. 

 

بينما يؤكد الدكتور عبد الله العمري رئيس الجمعية السعودية لعلوم الأرض والمشرف على مركز الدراسات الزلزالية أنه: “إذا سحبت الماء أو البترول بكميات هائلة من تحت الأرض، يحدث خلخلة في الطبقات الأرضية مما قد يسبب انهيار وحدوث هزات وزلازل، وقد سجل بالفعل زلزال عام 1993م بقوة 6.7 ريختر على مسافة 70 كم جنوب غرب مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وبحسب العمري: “لو كان هذا الزلزال شرق جدة؛ لدمر جدة ومكة والطائف وسواهم بالأرض”!

 

ويشير الجيولوجي باميلا أن هناك أكثر من 100 حالة لخزانات سدود تسببت في إحداث زلازل، ولعل أخطرها زلزال سيشوان بالصين عام 2008م وقد قوته 7.9 ريختر، والذي يعتقد العلماء أنه ربما نتج عن سد زيبينغبو، كما تسبب سد أسوان بمصر في حدوث العديد من الزلازل في تلك المنطقة والتي كانت هادئة من قبل.

 

الحل لتقليل الخسائر الناتجة عن حدوث الزلزال؟

إذا أمكن التنبؤ بحدوث زلزال فيمكن خفض مياه الخزان قبل حدوث زلزال كبير تجنباً للمخاطر، لكن المشكلة أن خفض مياه الخزان يحتاج لوقت قد يصل لأسابيع أو شهور لخفض 50% منه فقط. 

 

وهو ما فعلته السلطات التركية بعد الزلزال، إذ فتحت تركيا سد أتاتورك أحد أكبر سدودها (الذي يخزن 48 مليار متر مكعب من الماء) تخوفاً من انهياره بفعل الهزات الارتدادية الزلزالية، وكذلك فعلت مع سد سلطان صويو بولاية ملاطيا

 

وأضاف حجي: “أما التصدعات في السدود وآثار الزلزال على السدود فهي نقطة مهمة للتحدث عنها ونقطة مهمة للدراسة؛ لأنها مهمة في منطقة تركيا والشام والعراق، كما أنها مهمة في مناطق أخرى حول العالم ومنها أفريقيا وغيرها من المناطق التي بها سدود وتحدث فيها الزلازل.

 

كما أشار حجي إلى سرعة انتشار الأخبار الكاذبة وقت الكوارث، وإلى ضرورة التثبت من تلك الأخبار قبل نشرها؛ لوجود الكثير من الإشاعات والمعلومات المغلوطة، منها ما عرف بتنبؤات ما يسمى بالعالم الهولندي، وربط حركة الأقمار بالزلازل، وهنا مرة أخرى يؤكد أن ربط الزلازل ببناء السدود يحتاج لمحاكاة رقمية وهو ما لا يمكن الجزم به في الوقت الحالي”.

 

ومع ذلك، يجب أن ندرك أن كل سد له ظروفه وموقعه الخاص الذي لا يمكن القياس عليه لسدود أخرى، ولا يزال من الصعب للغاية التنبؤ بالأضرار التي يمكن أن تحدث في سد معين نتيجة الزلازل. 

 

وبالرغم مما سبق، فلا يمكن الجزم بأن الزلزال الحادث في تركيا وسوريا ناتج عن السدود المائية التركية، لكن يمكن اعتبار تلك السدود سبباً غير مباشر للزلزال، والأمر يحتاج لمزيد من الدراسة لتأكيد صحة هذا الادعاء.

 

 

 

المصادر: 

 




رابط المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى