تعامل اللاعبين مع العنصرية في كرة القدم العالمية

في الـ21 من مايو 2023، وتحديدًا خلال الشوط الثاني من المباراة التي جمعت فريقي ريال مدريد وفالنسيا بالدوري الاسباني الممتاز على ملعب «ميستايا»، انفجر مهاجم نادي العاصمة غضبًا بعد تعرضه لسيل من الهتافات العنصرية التي استهدفته منذ وصوله أرض الملعب. 

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي ثورة من النقاشات، منها ما يؤيد موقف جونيور الذي تحمَّل ما لا يتحمله بشر على مدار موسم كامل، ومنها من اعترض وبشدة لكونه لاعبًا مستفزًا للخصوم بالأساس، وقطاع أخير رأى أنّ الدولي البرازيلي كان عليه أن يتعامل هؤلاء العنصريين بمبدأ التجاهل. 

بشكل عام، العنصرية بكل أشكالها موجودة في كرة القدم، بل في الحياة. وربما لا سبيل لإنهائها. لكن السؤال ما هو رد الفعل المناسب من الرياضي تجاه مثل تلك المواقف؟ 

وفي الحقيقة لسنا هنا لنضع «روشيته» للتعامل مع مواقف التمييز العنصري، لكننا فقط نستعرض ردود أفعال اللاعبين النخبة تاريخيًا تجاه الهجمات العنصرية من الجماهير بمختلف الملاعب، دون مقارنة موقف بآخر. 

نقطة نظام.. العنصرية واقع

حقيقةً، لن يعترف جمهور أي فريق مهما حدث بأنّه عنصري؛ لأنّها وصمة قد تظل تلاحقه أبد الدهر. وفي الواقع، قد تحمل هذه الفكرة نفسها بعضًا من المنطق؛ لا يستهدف جمهور كرة القدم اللاعبين داكني البشرة لأنهم عنصريون بشكل مطلق، لأن الفكرة تأكل نفسها بنفسها، فجميع الأندية تمتلك بين صفوفها لاعبًا واحدًا أسمر البشرة على أقل تقدير. 

بالتالي، تتبع بعض الجماهير مثل تلك الحيل «السيئة» لإخراج المنافس عن تركيزه. حيلة بشعة صحيح؟ لكنّها حقيقية. 

ماريو بالوتيلي يبكي بعد تعرضه لإساءات عنصرية داخل الملعب.

 نحن نتفهم أنه كان من الممكن أن يبدو ذلك عنصريا بالنسبة لك، لكنه ليس كذلك. في إيطاليا نستخدم بعض الطرق فقط لمساعدة فرقنا ومحاولة جعل خصومنا متوترين، ليس بسبب العنصرية. 

نحن منظمة جماهيرية متعددة الأعراق ونرحب دائما باللاعبين من كل مكان. ومع ذلك، فقد استخدمنا دائما هذه الطريقة مع لاعبي الفرق الأخرى في الماضي وربما سنفعل ذلك في المستقبل.

بيان أولتراس إنتر ميلان للاعبهم روميلو لوكاكو، سبتمبر 2019. 

 

البيان أعلاه كان تبرير «كورفا نورد» الهتافات العنصرية التي تعرّض لها روميلو لوكاكو، لاعب إنتر ميلان، أثناء إحدى مباريات الفريق التي جمعته بكالياري في الدوري الإيطالي الممتاز. 

هذا البيان، بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع مضمونه، يرسّخ لفكرة واحدة، وهي أن الجماهير قد تفعل أي شيءٍ لتحقيق هدفها. بل أنّه تأكيد على عدم شعور من يرتكب مثل تلك الأفعال بالذنب على الإطلاق؛ هذه هي سيكولوجية الجماهير. 

الرجل المُستضعف 

في مثل هذه المواقف يظهر اللاعب، بشكل نادر جدًا، كطرف مُستضعف، لا يمتلك القدرة على مواجهة الحشود التي تستهدفه بسبب ذنبٍ لم يقترفه من الأساس. ومع التكرار، ينهار اللاعب، يرفض استكمال المباراة اعتراضًا منه على هذا السلوك. 

في 2020 وخلال مباراة جمعت بورتو بمضيفه فيتوريا جيماريش، تعرّض الدولي المالي موسى ماريجا لوابل من الهتافات العنصرية من قطاع من جماهير جيماريش. كان رد الفعل الأول للاعب هو محاولة التماسُك. وبمجرد إحرازه لهدف في مرمى الفريق المنافس، احتفل مشيرًا لجسده، مطالبًا الجماهير باحترام اختلافه العرقي. 

العنصرية
موسى ماريجا، لاعب بورتو، يرفض استكمال مباراة فريقه أمام فيتوريا جيماريش.

في الواقع، لم يمنع ذلك الجماهير من الهجوم عليه بشكل مضاعف، والمفاجأة كانت تلقّي اللاعب بطاقة صفراء بسبب «محاولته استفزاز جماهير الخصم». كوميديا سوداء. 

في هذه اللحظة، انفجر ماريجا، وطلب التبديل، لأنّه للمفارقة كان الضحية، وبشكل ما تحوّل للمذنب في القصة، لسبب ما لا يعلمه أحد. 

قِس على هذا الموقف عشرات المواقف التي دفعت لاعبين كبار لترك الملعب عقب التعرُّض لأشياء مشابهة، في حين رغب البعض في أن يتحلّوا برباطة الجأش واستكمال المباراة. 

استراتيجية قلب الطاولة 

 أخشى أن تصبح هتافات القرود وغيرها من الإساءات العنصرية أمرا طبيعيا. بمجرد أن تكون في الملعب، يمكنك أن تقول ما تريد، وهذه هي الأزمة. 

تيري هنري، نجم منتخب فرنسا السابق، تعليقًا على العنصرية في ملاعب كرة القدم. 

 

يخبرنا هنري، الذي لعب خلال مسيرته الاحترافية في إيطاليا، إنجلترا وإسبانيا، بأنّه كان هدفًا لكل الإساءات العنصرية: مثل تقليد أصوات القرود، أو البصق إلخ.. ومع ذلك، ربما لم يسبق وأن انهار اللاعب؛ لأنّه يعلم بداخله أنّه على الرغم من بشاعة ما يتعرض له، لا يمكنه تغيير الواقع. 

كان بيليه، أسطورة البرازيل، أقل حظًا من هنري وبالوتيلي وماريجا، وفينيسيوس؛ لأنّه عاش في عصر ما قبل الصوابية السياسية داخل مجتمع خرج بالكاد من حقبة استعباد السود. بالتالي، واجه بيليه أضعاف ما واجهه هؤلاء. 

يُعتقد أن عظمة بيليه بالنسبة لمجتمع سود البشرة في البرازيل مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتناقضه، حيث لم يشتكِ ولو لمرة من العنصرية ضدّه أثناء فترة لعبه لكرة القدم، ولم يقُد أي حملة للدفاع عن أبناء عرقه ‑إن صح التعبير-. لكنّه عوضًا عن ذلك، آثر أن يصبح هو أيقونة البرازيل بأسرها، بالتالي، يجبر الجميع على احترامه. 

العنصرية

اتبع داني الفيش، ظهير برشلونة نفس تلك الاستراتيجية حين ألقت جماهير فريق منافس «موزة» عليه أثناء تنفيذه لركلة ركنية. تمالك ألفيش أعصابه، التقط الموزة وأكلها، لتنتهي القصة دون أي أزمة. 

هل يعني ذلك أن ما قام به بيليه أو ألفيش حلًا مثاليًا؟ نعم. لكن هل يعني أن كل الذين انهاروا مخطئين؟ بالطبع لا. والسبب ببساطة أن استجابة البشر للضغط النفسي مختلفة، بالتالي لا يمكن توقُّع لحظة انفجار اللاعب، لأننا لا نعلم كم مرة تعرّض نفس اللاعب لمواقف مشابهة تجح خلالها بتمالك أعصابه. 

المصادر:

1- https://theathletic.com/4548391/2023/05/24/vinicius-junior-racism-real-madrid-valencia‑2?source=user-shared-article

2‑https://bleacherreport.com/articles/2852237-inter-ultras-defend-cagliari-fans-racist-abuse-of-romelu-lukaku

3- https://www.reuters.com/article/uk-soccer-portugal-idUKKBN20A0PE

4- https://www.radiotimes.com/tv/entertainment/thierry-henry-racist-chants-are-a-normality-in-football-stadiums/

5- https://www.bbc.com/news/world-latin-america-64128776

6- https://www.bbc.co.uk/sport/football/27183851


رابط المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى