توظيف الخيال في التعلم السريع ومنهج التعلم التخيلي (الجزء الأول)

[ad_1]

هذه المبادئ جاءت بالأصل من نتائج آخر الدراسات والأبحاث والتجارب في أبحاث الدماغ والتعلم، والتي تسعى في مجموعها إلى تقديم إجابة واضحة عن أفضل طريقة يمكن أن يتعلم بها الإنسان، وتُجمع النتائج في الإطار العام لها بأنَّ الانغماس في التعلم هو التعلم الحقيقي، وبأنَّ ثمة طرائق لمساعدة المُتعلمين وأدوات وتقنيات للوصول إلى حالة الانغماس في التعلم.

الإيحاء في التعلم السريع:

يأتي الحديث عن الإيحاء والخيال في فصل كامل في كتاب التعلم السريع، وهو فصل مليء بالتجارب الموثقة والمُؤكِّدة لتأثير الإيحاء والخيال في إطلاق قدرات المتعلمين أو تثبيطها، في مؤشر واضح على أهمية كل منهما في تحقيق غاية التعلم السريع، ألا وهي زرع بيئة إيجابية للمتعلمين لا يكون فيها المُعلم عائقاً أمام انغماس المتعلمين في التعلم؛ بل مُسهِّلاً له؛ وذلك من خلال استخدام لغة إيجابية نابعة من أفكاره الإيجابية والمليئة بالإيحاءات الإيجابية داخل الصف وخارجه، بكل صدق ودقة في الوعود التي يقدمها للمُتعلمين عن قدرتهم على النجاح بالتركيز على المتعة والفضول والاكتشاف الذي يقودهم إلى الوصول إلى الحلول.

يُعرف الإيحاء في اللغة العربية بأنَّه صوت التكلم وهو من خصائص اللغة العربية، فهو صوت خفي يشير إلى معنى غير مباشر من خلال التلميح والتعريض والكناية والرمز والإضمار، تحمل كلماته معاني تؤدي في النهاية إلى التأثير في معتقدات شخص أو سلوكه.

هذه الكلمات غالباً تعكس معتقدات المُتكلم وأفكاره والمقصود هنا هو المُعلم؛ فكلماته تصف الواقع دون أن تكون هي الواقع، ودِقة الكلمات التي يَستخدمها تعبِّر عن دقة الفكرة التي تلازم هذه الكلمات، فإذا استخدم كلمات ذات معاني ضمنية غامضة، غير دقيقة، تعبِّر عن فكرة عامة خلال تواصله مع المتعلمين، فإنَّ ذلك سيؤدي إلى تفسير متفاوت بين ما يقوله المُعلم وما يتلقاه المُتعلم.

“قد يبدو ما سأقوله صعباً، لكن لا بدَّ أن تتعلموه” كيف تبدو لك هذه العبارة؟ بماذا توحي لك؟ ما هي الآثار التي يمكن أن تتركها في المُتعلم؟ إنَّها تخفي معتقدات المُعلم وقناعاته التي توصَّل إليها في تجربته الشخصية في التعلم والتعليم ومبادئه وأساليبه.

“من جديد، نحن مجبرون على سماع مزيد من المفاهيم المعقدة الصعبة”؛ هكذا يتلقاها المُتعلم، وهي في الوقت ذاته ترسل قناعة المُعلم العميقة بأنَّ مستواه في الإدراك بوصفه راشداً أفضل من مستوى الفهم عنده بوصفه متعلماً صغيراً في العمر وقليل الخبرة والتجربة، وهذا التعالي يدفع المُعلم إلى التصرف على أنَّه مركز العملية التعليمية ومصدر المعلومة الأساسي والأوحد داخل الصف وخارجه، مما يحرم المُتعلم من المبادرة إلى طرح الأسئلة أو التعبير تعبيراً واضحاً عن مستوى الفهم لديه.

لا عجب بعد ذلك أن نسمع معظم البالغين يعبِّرون عن معاناتهم التي لم تنتهِ مع نهاية المدرسة في الرياضيات أو الفيزياء أو النحو أو اللغة الأجنبية، والسبب هو هذه الكلمات الغامضة المليئة بالمعتقدات المعوقة للمُتعلمين، والتي ألقاها عليهم المُعلم غالباً بحسن نية، لكن لم يُلقِ لأثرها فيهم بالاً حينها.

الأخطر من ذلك أنَّ هذه الإيحاءات تصل بمعانيها السلبية إلى عمق مستوى الهوية والمعتقد لدى المُتعلم عن ذاته، لتصبح عبارات الكسل والفشل والغباء جزء من تعريف المُتعلم لذاته، وهذه الأحكام المسبقة عن صعوبة الرياضيات (على سبيل المثال) تجعل المتعلم يتبنى معتقداً مفادُهُ: “دماغي لم يُصمَّم لفهم الرياضيات”، وهذا معتقد ينافي ما أثبتته الدراسات في أبحاث الدماغ بأنَّ جميع البشر مهيؤون لفهم جميع المعارف والعلوم عند الولادة، إلا أنَّهم يتمايزون لاحقاً بتفضيلات محددة تبعاً لتأثير البيئة التي ولدوا فيها.

فأيُّ احترام للذات وثقة في القدرات نطالب بها المُتعلمين أن يتحلوا بها، في حين تهدم هذه الإيحاءات عالمهم الداخلي! إذ لم يأخذ هذا المعلم في الحسبان إنسانية المُتعلم وتجاربه، وشخصيته المتفردة؛ فالمُعلم الذي يعتقد اعتقاداً عميقاً أنَّ المُتعلم محور العملية التعليمية، يتصرف بوصفه مسهلاً للتعلم، يصغي أكثر للمتعلم، ويحاول اكتشاف طريقة التعلم الأنسب للمتعلمين ودوافعهم لمساعدتهم على بناء مخزونهم المعرفي وشخصياتهم وتطويرها.

شاهد: 12 نصيحة لتسريع عملية التعلم

 

الخيال في التعلم السريع:

المبدأ التالي في التعلم السريع هو انسجام التعلم مع الطريقة التي يعمل بها الدماغ؛ إذ تؤكد مرة أخرى الدراسات القائمة على التعلم وعمل الدماغ بأنَّ التعلم ليكون فعالاً يجب أن يُحفِّز الدماغ بأكمله بفصيه الأيسر والأيمن كليهما؛ إذ تخبرنا الدراسات بأنَّ الفص الأيسر هو موضع اللغات والمنطق والتفسير والحساب، بينما الفص الأيمن هو موضع الهندسة والعمليات غير اللفظية والتعرف إلى الأنماط البصرية كالوجوه والخطوط والتمييز السمعي والمهارات المكانية، وبأنَّنا نستخدم النصف الأيسر أكثر عند معاينة التفاصيل، فيما نستخدم الأيمن أكثر عند التفكير في الصورة الأشمل.

كذلك تخبرنا  الدراسات أنَّ الناس بجميع الأعمار يُبدون داخلياً نشاطاً قابلاً للقياس في النصف الأيسر من الدماغ حين ينخرطون خارجياً في سلوكات التقارب والابتهاج وغيرها من المشاعر الإيجابية، فيما وُجِد أنَّ سلوكات التجنب والمشاعر السلبية مرتبطة بنشاط النصف الأيمن من الدماغ، وتوجد بعض الأدلة التي تبرهن أنَّ التحدث بحد ذاته يعزز المشاعر الإيجابية، وأنَّ الأنشطة الفنية تُعدُّ وسيلة للتعبير عن المشاعر السلبية.

ما الذي يفعله الخيال بالدماغ ويساعدنا على التعلم؟

في البداية علينا أن نُعرِّف الخيال، ونُميز بينه وبين الشرود الذهني؛ فالخيال هو “القدرة على التصور لتكوين انطباع ذهني للمَشاهد المرئية والأصوات والروائح والمذاق وذكريات اللمس”؛ إذاً الخيال عملية مقصودة وموجهة لتكوين هذه الانطباعات، وليست عشوائية كما يخلط معظم الأشخاص بينها وبين الشرود الذهني الذي هو “نشاط دماغي عشوائي يحصل حين تنجرف الأفكار بنا إلى شاغل آخر داخلي غير الذي ننهمك عادةً به في الخارج، يؤدي إلى تضييعنا مجرى الحديث وفقدان الإحساس بالزمان والمكان”.

يُمكِّننا الخيال من الدخول في حالة الانغماس الكلي في نشاط اللحظة (التعلم)، فيما يحملنا الشرود الذهني بعيداً عن اللحظة ويخلط بين ما يحدث فيها وما يستدعيه الدماغ في لحظة الشرود من عواطف وأفكار وذكريات؛ فالخيال هو من يساهم في بناء التعلم، فما هو التعلم؟

التعلم هو الذاكرة والذاكرة هي التعلم، ويتكون التعليم من عمليتين؛ الأولى هي الحصول على المعلومات، والثانية هي الاحتفاظ بها، في هذا السياق يذكر السير فريدريك تشارلز بارتليت (عالم نفس بريطاني وأول أستاذ لعلم النفس التجريبي في جامعة كامبريدج) في كتابه “التذكر” الذي نشره في العام 1932 بأنَّ: “التذكر هو إعادة تنظيم تخيلية أو بناء تخيلي، أو إنشاء لعلاقة توجهنا نحو كتلة كاملة من ردود الأفعال أو الخبرات الماضية، ونحو التفاصيل الدقيقة الرائعة التي تظهر عادة في شكل صور أو كلمات”.

كما يؤكد بولس (1988) في وصف عملية التذكر: “إنَّنا نتذكر ما نستوعبه ولا نستوعب إلا ما نبدي انتباهاً له، ولا نبدي الانتباه إلا لما نرغب فيه”.

إنَّ الأنشطة القائمة على التخيل تساعد المتعلمين على تركيز انتباههم على ما يرغبون في تعلمه؛ ومن ثَمَّ يعزِّز استيعابه للمعلومات، إلا أنَّ هذا النوع من الأنشطة بحاجة إلى تدريب المُتعلم للقيام بها بالصورة التي تساهم في جعل التعلم أسرع وأكثر فاعلية، ويُحتَفظ بها لأطول فترة في الذاكرة، من خلال توجيه اهتمام المُتعلم بأسلوب ممنهج ومدروس من قبل مُعلم متمرس في توظيف تقنيات التخيل.

[ad_2]

رابط المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى