تيمقاد.. مدينة أثرية رومانية دفنت ألف عام في صحراء الجزائر

[ad_1]

بنيت المدينة كمستعمرة رومانية في عهد تراجان في العام 100م، لأهداف استراتيجية عسكرية واقتصادية بحتة، ولكنها مع الزمن امتلأت بالسكان. وتعتبر المدينة الأثرية الوحيدة في القارة الأفريقية المُحتفظة برونقها وشكلها القديم إلى هذا الوقت. تبلغ مساحتها حوالي ٢٢٢.٢٦ كم٢، وعدد سكانها قد يصل تقريبًا إلى ١١٨٢٧ نسمة.
على مدى التاريخ لعبت مدينة تيمقاد دورا كبيرا، في المجال الأمني والدفاعي، فكانت مركزا عسكريا هاما تابعا للإمبراطورية الرومانية في منطقة شرق أفريقيا، وبالإضافة إلى ذلك كانت مركزا اقتصاديا وتجاريا متميزا في الاتصال التجاري بين دول القارة.

موقع المدينة
تقع تيمقاد على بعد 62 كلم شرق ولاية باتنة، عاصمة الأوراس، أكثر من 530 كلم شرق الجزائر. ويحدها من الناحية الشرقية مدينة خاصة بأولاد فاضل، أما الناحية الغربية مدينة تسمى عيون العصافير.
وتشترك تيمقاد مع مدينة وادي الطاقة في الحدود الجنوبية، بينما يحدها من الناحية الشمالية مدينة “المعذر” ويحدها من ناحية الجنوب الشرقي مدينة “فم الطوب”.
تُعد تيمقاد مدينة زراعية، يعتمد السكان فيها بدرجة رئيسة على العمل في النشاط الزراعي، إذ تعتبر الزراعة لديهم موردا رئيسا على مصادر الحبوب والقمح والخضروات، والفواكه وغيرها التي تعتمد على الأمطار الموسمية، ويلجأ السكان إلى بناء السدود الضخمة، وغالبا ما يقوم السكان بالاعتماد في أساليب الري على قنوات السدود لسقي أرضهم الزراعية. ويعتبر سد “كدية مدوار” أشهر هذه السدود، وبالاضافة إلى ذلك تم إدخال الماء الصالح للشرب إلى مدينة باتنة.

تطور المدينة
يقال إن الدراسات التاريخية ذكرت أن الإمبراطور تراجان الروماني قد أمر ببنائها على هيئة لوحة شطرنج.
وقد شُيدت على مساحة 11 هكتاراً في البداية، وسماها الرومان (تاموقادي)، وتحظى المدينة الأصلية بتصميم جميل؛ إذ يشقها طريقان كبيران متقاطعان من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب ينتهي كل شارع ببابين كبيرين في طرفيها، ويزينهما قوسان ضخمان مزينان بحجارة وأعمدة منحوتة بإتقان، وإلى جانب ذلك بنى الرومان مجموعة من السكنات والمرافق التي عادة ما كانوا يحرصون على تشييدها في مدنهم. فأحاطوا المدينة بسور كبير لحمايتها من الهجمات والغارات.

تحتوي المدينة على أهم المرافق التي لا تزال آثارها واضحة للعيان، ومنها “الفوروم” أو الساحة العمومية، ويحيط بها المجلس البلدي، ومعبد الإمبراطور، وقصر العدالة.
وإلى جانب السوق العمومي والمحلات التجارية، شُيد المسرح لإقامة التظاهرات الاحتفالية المختلفة. وابتداءً من النصف الثاني للقرن الثاني الميلادي، شهدت المدينة تطوراً عمرانياً هاماً تطلب مساحات إضافية، فظهرت أحياء سكنية جديدة، وشُيدت المعابد و14 حماماً عمومياً كبيراً. وبلغ التطور العمراني ذروته في القرن الثالث الميلادي، إذ بُنيت منشآت جديدة مثل المكتبة العمومية والسوق، ومساكن أوسع وأكثر رفاهية.

احتلال المدينة
في القرن الخامس الميلادي، احتل الوندال المدينة وعاثوا فيها فساداً وتدميراً، كما فعلوا بباقي المدن الرومانية بالجزائر، ودام الاحتلال الوندالي للمدينة قرابة قرن انتهى بعد أن حل البيزنطيون محلهم، فقاموا بنهب الكثير من المعالم الرومانية، وتقويض معبد ضخم لبناء قلعة بيزنطية غير بعيد عن المدينة الرومانية، إلا أن القلعة تفتقر للجمال والذوق الروماني الرفيع في الطراز المعماري.
ومع حلول الفتح الإسلامي ابتداءً من القرن السابع الميلادي، ينتهي العهد البيزنطي وتتحول الحياة الحضرية بالمدينة إلى مدن أخرى أسسها الفاتحون مثل: بغاي، وطبنة.

بعثات التنقيب
بعد قرون من التغيرات العمرانية، غمرت الأتربة المدينة، ولفها النسيان، إلا أن الفرنسيين شرعوا في التنقيب عنها ابتداءً من عام 1880 وبقيت الأبحاث الأثرية قائمة إلى غاية استقلال الجزائر في صيف .1962.
أبرزت التنقيبات عن المدينة الأصلية التي بناها الإمبراطور تراجاس، وأقام الفرنسيون متحفاً نقلوا إليه مجموعة من التحف الأثرية الثمينة لحمايتها من النهب والتلف، ومنها جرار وأدوات فخارية ولوحات فسيفسائية جميلة كانت تغطي أرضية المساكن الخاصة والحمامات العمومية ومجموعة من التماثيل والنصب التي تعطي كلها صورة عن معتقدات أهل تاموقادي، عبر الكتابات والرسوم المنقوشة عليها التي تقود إلى التعرف على تاريخ المدينة وسكانها، وهي نصب موضوعة لتقديس الأموات أمامها صحون لاعتقاد الرومان أن أرواح الموتى تستيقظ لتأكل.

إعادة اكتشاف تيمقاد
بعد ألفي عام من بنائها، لا تزال تيمقاد بارزة باعتبارها واحداً من أكثر المواقع الأثرية المميزة في العالم.
فالتخطيط العمراني المتقدم، حتى وإن كان يظهر بين الأطلال، ما زال مشهداً مذهلاً للناظرين. ووفقاً لما ورد في موقع All That’s Interesting الأمريكي، لم تُكتشف تيمقاد مرة أخرى إلا بعد 1000 عام، عندما صادف الموقع مجموعة من المستكشفين الذين كانوا يسافرون إلى شمال إفريقيا.

يعود الفضل في إعادة اكتشاف المدينة القديمة إلى جيمس بروس، أحد النبلاء الاسكتلنديين، الذين كان القنصل البريطاني في الجزائر العاصمة في عام 1763.
ترك بروس القنصلية بعد خلاف مدوً مع مديرية الموجودين في لندن. لكنه بدلاً من العودة إلى إنجلترا، اجتمع بالفنان الفلورنسي لويجي بالوجاني وبدأ رحلتهما عبر إفريقيا. وصل بروس وبالوجاني إلى موقع تيمقاد يوم 12 ديسمبر من عام 1765.
وكتب بروس الذي كان مفتوناً بأطلال المدينة الشاسعة في وسط الصحراء، في مذكراته: “كانت مدينة صغيرة، لكنها تزخر بالكثير من البنايات الفخمة”. وبناءً على معرفة بروس بتاريخ شمال إفريقيا، كان واثقاً من أنه وجد مدينة الإمبراطور تراجان الضائعة منذ وقت طويل.

لكن عندما عاد بروس أخيراً إلى لندن لمشاركة اكتشافاته العظيمة، لم يصدقه أحد. لكنه لم ييأس، وعاد إلى اسكتلندا، وقضى فترة التقاعد وهو يكتب عن رحلاته في إفريقيا، واكتشافه لمدينة تيمقاد. وتحولت مذكرات بروس إلى مجلد من 5 أجزاء تحت عنوان رحلات لاستكشاف مصدر النيل ونُشرت في عام 1790.
استغرق الأمر قرناً آخر قبل أن يأتي خليفته روبرت لامبرت بلاي فاير، القنصل البريطاني الجديد في عام 1875، واقتفى آثار بروس في شمالي إفريقيا.
وعندها وجد بلاي فاير تيمقاد. وحتى بعد مرور قرن كامل، حُفظت المدينة بصورة كبيرة بفضل الرمال الجافة في الصحراء الكبرى.
أدت عمليات التنقيب التي تلت إلى إدراج المدينة في قائمة التراث العالمي الخاصة باليونسكو في عام 1982.مما أدى إلى تمويل وترميم المدينة والحفاظ عليها من التأثيرات المناخية والبشرية، كإقامة مهرجان تيمقاد الدولي في صرح مسرح المدينة الأثري مما أدى إلى تدهور وضعية بنائه مما أدى إلى إعداد خطة تعويض المسرح الأثري بآخر جديد بالقرب من المدينة الأثرية، لكي لا يؤثر عليه، وتم الانتهاء منه سنة 2010.
المسرح الجديد المهيأ على نفس طريقة بناء الصرح الروماني، لاستضافة طبعة مهرجان تيمقاد 2010.

أهم معالم تيمقاد
الآثار في مدينة تيمقاد تقريبا جلها تعود إلى الحضارة الرومانية القديمة ومن هذه الآثار ما يلي:

مسرح تيمقاد
هو مَعلم من المعالم الأثرية البارزة والمشهورة في تيمقاد تكفي مساحته لحوالى أكثر من ٣٥٠٠ شخص، ويتميز هذا المسرح بأنه مكشوف للهواء الطلق .. كان هذا المسرح مخصص لعرض كافة العروض الترفيهية والفنية المتنوعة، ويجذب إليه الكثير من الفنانين سواء كانوا من داخل تيمقاد، أو خارجها. يقام فيه كل سنة مهرجان الطرب، والغناء على هذا المسرح لعدد كبير من الفنانين العرب.

قوس النصر
هو أهم المعالم الموجودة في الجزائر أكثر ما يميز هذا القوس وجود بعض الزخارف والنقوش المحفورة عليه بالإضافة إلى موقعه المتميز في المدينة، حيث يقع في الجنوب الغربي من تيمقاد.

معبد جوبيتر
تم إطلاق اسم آخر على المعبد وهو معبد الكابيتول، ومع مرور الوقت تعرض هذا المعبد للتأكل والتدمير، ولكن الحكومة الجزائرية قامت بترميمه وإعادة بناء الأجزاء التالفة منه.
وتوجد العديد من الأعمدة المنتشرة والمتناثرة أمام هذا المعبد مما يعطيه رونقا وجمالا خاصا.

الفوروم
وهي عبارة عن ساحة عمومية موجودة وسط مدينة تيمقاد وتوجد بها الساعة الشمسية الشهيرة، والتي تقوم بتحديد الوقت من خلال انعكاس شعاع الشمس الساقط عليها.
وهي مكونة من عدد من الخطوط المتعامدة الطويلة للمساعدة في التعرف على الوقت بدقة.
وساحة الفورم محاطة بالكثير من المعالم الأثرية مثل معبد الإمبراطور والمجلس البلدي، وكذلك قصر العدالة، وبعض المحال التجارية والأسواق العمومية التي تُظهر نوعية الحياة الرومانية ونمط المعيشة.

معبد إله الرومان زحل
يوجد بهذا المعبد مجسم للإله محفور باستخدام الجير، وعليه بعض النقوش والزخارف والكتابات التي تحكي بعض التفاصيل عن ملك الرومان، كما يوجد به أيضًا أواني مصنوعة من الفخار ومجسمات حجرية.

تيمقاد السياحية
ان التجول في مدينة تيمقاد الأثرية ممتع للغاية، خاصة إذا صادفت دليلاً متمكناً يشرح لك بإسهاب خلفيات تشييد البنايات، والطرق والمرافق المختلفة بتلك الطريقة المتناسقة الجميلة، ويريك السد الذي يدعى سد “كدية مداور” التابع لشركة ‘كوسيدار’. ومنها تتعرف على نمط معيشة الرومان، وتتأكد من ذوقهم الفني والمعيشي الرفيع؛ إذ لم يغفلوا بناء أي مرفق خاص بحياتهم الاقتصادية، أو الثقافية أو الدينية؛ الأسواق، المتاجر، الحمامات، المسرح، الكباري، السكستين، بيوت التعميد.
تتميز المدينة باحتوائها على مكتبة عمومية بها 8 رفوف للكتب، أربعة على اليمين وأربعة على اليسار، وهي ثاني أكبر مكتبة رومانية في العالم آنذاك.

 

[ad_2]

رابط المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى