ورشة احترافية غير عادية للطلاب بمهرجان تطوان الـ٢٨

[ad_1]

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

فتاة شابة بعد الهروب من بيت عائلتها لعدة سنوات، ها هي تعود الآن بصحبة حبيبها. إنها حامل في طفلهما الأول. قررا أن يُؤسّسا لحياتهما المشتركة سوياً، مثلما قررا العودة لأهلها لتحقيق التصالح، ومباركة هذه العلاقة. لم نكن نعرف – ولن نعرف أبداً طوال الفيلم المعنون بــ«وهكذا لن يتغير شيء» Pour que rien ne change- سبب الهروب. مع ذلك يغرس المؤلف والمخرج الفرنسي فرانسيسكو أرتيلي عدة تفاصيل مُوحية تشي بخفايا تلك العلاقة المرتبكة بين الفتاة وأسرتها من ناحية، ثم ذلك الماضي الأسود بينها وبين أخيها من ناحية أخرى.

يعتمد المخرج القادم من عالم التصوير على لغة سينمائية هادئة متوارية لكنها قوية في دلالتها الرمزية؛ لذلك رغم أن الحوار شحيح تقريباً، لكن الصورة تُضيف المعاني وتشكل حواراً بليغاً يضيف مستويات جديدة لمضمون الفيلم.

هذا الفيلم القصير مصنوع بشكل جيد جداً، لقدرة مخرجه على تصوير دواخل الشخصيات جميعها، بقدرته على خلق وتجسيد مشاعرها العميقة الدفينة. فقد نجح في استحضار الماضي المظلم لهذه العلاقة بين الأخ والأخت دون أن يقول شيئًا، ما عدا نظرات وتعبيرات العيون التي تقول الكثير من الأشياء الغامضة، أو ردود الفعل، أو بضع كلمات تبثّ فينا عدم الارتياح تجاه هذا الأخ الحاقد الغاضب المغموس في شعور بالمرارة أو حتى الغيرة، والذي يبدو وكأنه قد أجرم في حق أخته، فالكلمات تجعلنا نشعر أنه كان السبب الرئيسي الذي أرغم أخته ماري أن تتخذ قرارها بالهروب.

بهدوء، وبعيداً عن أي افتعال، نجح المخرج في خلق هذا التوتر والخوف والقلق في معظم المشاهد بطريقة بسيطة، دون تمثيل معقد أو مصطنع، عبر أحجام اللقطات التي تمنحنا الفرصة أن نقترب من شخوصه بتلقائية الأداء، على الأخص في اللقطات المتوسطة والقريبة، وكذلك لقطة كل منهم على طاولة العشاء، والتي تُحذرنا من بعض ما سيحدث لاحقاً. كذلك الأسلوب الذي صور به الطبيعة إذ لعب دورًا مهمًا في شحن المشاهد بمزيد من العواطف الغامضة والمشاعر المتناقضة.

على صعيد آخر تُعد الموسيقى وشريط الصوت شخصية رئيسية بالفيلم، فهما يفسران الكثير من المشاعر، إضافة لتلك النهاية المفتوحة التي تترك مساحة أمام الجمهور للتفكير والتأمل، من دون أن ننسى أن العنوان نفسه يُخبرنا بشيء مهم للغاية.

فرصة استثنائية لاكتساب الخبرة

هذا الفيلم البديع كان أحد فيلمين بتوقيع المخرج الفرنسي فرانسيسكو أرتيلي – الفيلم الآخر بعنوان «خارج الموسم»،Hors-saison- واللذين عرضا ضمن ورشة «من الكتابة للشاشة» التي خصصتها إدارة مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط على مدار أربعة أيام – في دورته الثامنة والعشرين الممتدة بين ٣-١٠ مارس الجاري.

شارك في إدارة هذه الورشة ثلاثة مبدعين – بينهم فرانسيسكو أرتيلي – والمنتج الفرنسي ومدير مهرجان كورسيكا للفيلم القصير أليكس فيراريس، إضافة لكاتب السيناريو والباحث السينمائى التونسي طارق بن شعبان.

كانت هذه التجربة استثنائية بكل المقاييس، حضرتها بنفسي، بشكل حصري. تميزت بكونها شديدة الثراء، أقرب للعصف الذهني، تمحور هذا اللقاء التكويني حول تحليل هذين الفيلمين القصيرين، وذلك بحضور مخرجهما أرتيلي.

قبل بدء الورشة بنحو شهر أُرسلت سيناريوهات الفيلمين للطلاب المشاركين في الورشة والتي استفاد منها ١٢ طالباً وطالبة – من المنتسبين إلى ثلاثة من معاهد السينما بالمغرب – فقام الطلاب بقراءة السيناريوهات في البداية، ثم تمت مشاهدة الأفلام، لتُعقد المقارنة ذات المغزى المهم في صناعة الأفلام، وليُدرك الطلاب مدى الفروق والاختلافات بين النص المكتوب ورحلة العمل، ثم شكله النهائى بعد خروجه للنور، بعدها انطلق النقاش العاصف بين مخرج الفيلمين ومدير الندوة أليكس فيراريس بصحبة طارق بن شعبان من ناحية، وبين الطلاب والطالبات من ناحية أخرى.

كان متن النقاش حول ما الذي أعجبهم في كل من السيناريو والفيلم والفروقات بينهما، ما هى ملاحظاتهم على الاثنين، كذلك الأشياء التي لم تعجبهم، ولماذا؟ وانطلق الطلاب المشاركون للحديث بجرأة عن مشاعرهم وأفكارهم وآرائهم حول الفيلمين والسيناريوهات. والمدهش في الأمر أن أرتيلي تقبل النقد السلبي من الطلاب على أفلامه وما كتبه بهدوء وتواضع جم، فقد ظل يجيب على تساؤلاتهم بأريحية دون أن يهتز، ودون أن يغضب، رغم أن الطلاب قد تنقصهم الخبرة والوعي السينمائي اللازم لفهم مثل هذه النوعية الراقية من السينما الخالصة، مع ذلك، لم يستهن أبدا أي من المدربين – المديرين الثلاثة للورشة – بأفكار وآثار الطلاب، وتم تقديم النصائح المخلصة النزيهة لهم.

أليكس فيراريس

في النصف الثاني من ذلك اليوم، أعلن المنتج أليكس فيراريس أنه سيترك مساحة لكل طالب وطالبة كي يعرضوا مشاريعهم التي كتبوها – في ثلاث دقائق – حتى تتم مناقشتها.. فكان من بين هذه المشاريع ما كتبته فاطمة الزهراء عن شاب لا يرى انعكاس نفسه في المرآة بينما يرى انعكاسات الآخرين، إلى أن التقي بفتاة أحبها وعندما بدأت تصف له ملامحه وكيف تراه فاستغرق في الإعجاب بذاته وهنا لم يعد يرى الآخرين من حوله، واختارت فاطمة الأسلوب التجريبي في المعالجة البصرية، وقد نالت الفكرة إعجاب مديرو الورشة الثلاثة. أما الطالب أمين الصمدي فاستلهم فكرة مشروعه من رواية «المعطف» للكاتب نيكولاي جوجول عن زوج فضل أن يموت من البرد – بدلا من العودة لبيته – لأنه أضاع الشال الذي نسجته له زوجته. وكان تعليق السيناريست طارق بن شعبان أن هذا المشروع يفتقد للتطور، وللصراع، فالشخصيات مسطحة تسير بشكل خطي، وأنه على الطالب البحث عن وسيلة لخلق صراع درامي.

رغم انتقاد مشروع أمين – الذي قرر دراسة السينما لأن عمه ممثل سينمائي – فإنه لم يحزن أو يتضايق، بالعكس، فقد أكد أن هذه الورشة قد أفادته كثيرا، مثلما اعترف بأنه كانت لديه الكثير من الأخطاء، وأن التوجيهات التي تلقاها – من أليكس فيراريس وطارق بن شعبان – سواء على مستوى تكوين الفكرة والصراع الدرامي ثم لاحقاً عن دورة صناعة الفيلم قد أفادته كثيراً، إضافة لما نهله من معلوماتهم وخبراتهم.

كذلك من بين المشاريع اللافتة كان هناك شابان قد طرحا مشروعين عن علاقاتهما بالأب. أحدهما شاب من أب جزائري، كان يريد أن يعرف ماضي والده الذي لم يتحدث عنه أبداً، وكأن الابن يرغب في كشف الماضي المجهول لوالده، وأثناء ذلك يحكي عن العلاقات بين المغرب والجزائر، أما المشروع الآخر الساحر فلطالب كان يستيقظ على صوت أبيه وهو يتوضأ، ثم يذهب لصلاة الفجر، فيظل الصبي يتتبع تلك الأصوات القادمة من خلف الجدران، ويبقى يقظاً ينتظر عودة الأب ليسمع صوت تحركاته من جديد. والمشروع أشاد به طارق بن شعبان وأليكس لكنهما أكدا على ضرورة الاشتغال على الصوت وأنه سوف سيكون مكلفاً، لأن المتلقي سيرى الصور السينمائية من خلال شريط الصوت.

انقسم اليوم الثاني – الذي حضرته من تلك الورشة – إلي جزأين ؛ في الأول تحدث المخرج والمنتج أليكس فيراريس عن ظروف وضرورة الاستعداد لتصوير أي مشروع، وواقعية تحديد الميزانية، واختيار الإضاءة، والديكور والممثلين، متطرقاً لعملية ما بعد الإنتاج «البوست برودكشن» التي تكون مكلفة جداً، مثلما تحدث عن ضرورة أن يكون السيناريو واقعياً، قادراً على التحقق لعمل يخرج للنور وذلك عبر التفكير في الميزانية وهل هى قادرة عل تحويل السيناريو لشريط فيلمي، أم هناك ضرورة للبحث عن بدائل؟. وقد كان هذا الجزء بالغ الأهمية لأنه كان يجعل الطلاب ينتقلون من منطقة الحلم المحلق في السماء صعب المنال إلى منطقة الحلم الذي ينطلق من الواقع والذي له أسس متينة تسمح بإنجازه.

ثم اختتمت هذه الورشة الاستثنائية بالجزء التاريخي الخاص عن السينما التونسية والتيارات التي مرت بها وملامح تشكل كل تيار – قدمها طارق بن شعبان – والتي تستحق أن نعود إليها في مقال لاحق.

أليكس وطارق وفرنسيسكو أليكس يشرح وفرنسيسكو وطارق يتابعان طارق بن شعبان يشرح والآخرون يتابعون طارق بن شعبان يعلق على أحد مشاريع الطلاب ورشة الطلاب بتطوان الشاب من أصول جزائرية يقدم مشروعهأليكس وفراشيسكو وطارق بن شعبان

[ad_2]

رابط المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى