جنازة ملكة بريطانيا رمز بقعا وصكّاتها

[ad_1]

@DrAlghamdiMH

تابعت مشاهد من جنازة ملكة بريطانيا. مع كل مشهد كنت أقول: هذه بريطانيا العظمى، من سيرثها؟ مشاهد مرسومة ومصفوفة بدقة. جعلوها تحمل فسيفساء تاريخهم الطويل. نسجوها بخيوط سطوة وجبروت جيل بعد آخر، ليروا أنفسهم ومستقبلهم. لوحات كانت كالزجاج المعشق. هش.. لكنه يقدم سحر ودفء الجمال التاريخي. يحمل ألوان مهابة محفورة كنقش في الذاكرة. طوابير منضبطة الإيقاع والترانيم. كل شيء تم نحته بمهارة، وتفاصيل، ومعنى، ورسالة. كل مشهد تمت زخرفته بنور فلسفة إمبراطورية رسمت لنفسها العظمة، والسيطرة، والشموخ، والكبرياء. مشاهد قدمت التاريخ بكامل قراءاته. استعراض يؤكد وجود أمة استطاعت أن تكون الوحيدة على مر التاريخ التي لا تغيب عنها الشمس.
كل شيء يتحرك.. أشبه بقصائد العرب.. تقول ما لا تفعل. لكنها قصائد تمثل المجد، والخلود، والهمّة، وعلو المكانة والنفس. الملابس، الأزياء، البدل العسكرية، النظرات، الخطوات، وحتى السكون والصمت مشاعل قدموها فخرا كمجسمات لسطوة إمبراطورية سادت برجالها، وأساطيلها العسكرية، وصولجانها الاستعماري. حتى في جنائز ملوكها، جمعوا الدنيا تحت بيرقها.. جعلوا العالم يحملونهم حتى في جنائزهم.
كنت جالسا فوقفت. أخذت دورة في المكان، حتى لا يتحجر لحمي على عظمي. تساءلت: هل هذه الجنازة بهذا التنظيم، هي الأخيرة لهذه الإمبراطورية؟ بماذا تنبئ؟ كيف استطاعوا الحفاظ على طقوس نظامهم الملكي رمزا يوحي ويقول؟ جعلوه قوة لتوحيد مشاعرهم كنخب؟ كيف تمكنوا من المحافظة عليه، وتعظيمه عبر السنين وقد تهدم عند الآخرين من حولهم؟ لماذا؟ إنه العقل الإنجليزي ظل يحافظ على ملامح ماضيه وحاضره ومستقبله، بواسطة تاج يمثله، ويحمله رأس بشري كوظيفة. تاج تم تجميع مكوناته عالميا، ليظل ينشد في صمت قوة الاستدامة، وبطرق شتى، ووسائل وأدوات تتجدد.
ماتت الملكة.. وبقي التاج الرمز؟ ماتت الملكة.. فهل ماتت الإمبراطورية معها؟ ماتت الملكة.. فهل ماتت عظمة الإمبراطورية معها؟ ماتت الملكة.. فهل توقف رسم تاريخ الإمبراطورية معها؟ ماتت الملكة.. فهل بقي شيئا تقوله هذه (البريطانيا) للعالم؟ وقفوا في طوابير لمشاهدة جنازتها، وإلقاء النظرة الأخيرة على نعش مزركش برموز توحي وتقول. يتخيلونها بداخله.. ملكة تمدهم بطاقة ليس لها تفسير، جعلتهم يتبنون هذه الطقوس، وهذا الإصرار والصبر؟ يعرفون أنها ماتت. لكنهم أثبتوا أن شأن دورها لم يمت. يؤكدون أنهم لن يرسموا نهايتهم بأيديهم، فهل سينجحون؟
الجميع كان يتحرك بشكل آلي. كل الأدوار مرسومة لتقدم شيئا ورثوه كأمة. إنها العظمة. ابتكرها البشر، ثم جعلوها في قبضة أحدهم ليمثلهم. إنه الملك. باسمه تدار الإمبراطورية. إنه العظمة نفسها وبها بنوا الإمبراطورية. هكذا تشبثوا بهذه العظمة. وكانت تمثلها ملكة بريطانيا لأكثر من سبعة عقود. بداية عهدها اختلفت عن نهايته. سبعة عقود تركت العالم يموج في تفسير وقراءة مشاهد جنازتها. كل على ليلاه يروي حكاية الجنازة، ويقدم لها التفسير، والشرح، والاستنتاجات. لكن كاتبكم كان منبهرا بإتقان جسّد أهمية العالم، وأهمية رموزه، وأهمية بنائه، وأهمية مستقبله. البقاء للأفضل دستور ليس له جنازة أبدا.
لم أكن أرى التاريخ الأسود لهذه الإمبراطورية في الجنازة. كنت أرى عدم قدرتي على فهم خليطه، لأنه لا يمثلني بإيقاعه الجنائزي الاستعراضي. يمجد نفسه من خلال تمجيد ملكة ماتت. حتى موتها كملكة كان صولجانا يعلن مغادرتها بطريقة تعظمها، وتعلي من شأنها، وتعظم أمة كانت فيها، وتعظم تاريخها، وتعظم شأنها عبر كل القرون.
جنازة عظيمة.. لملكة كانت تمثل خلاصة عظمة وشأن. جنازة حملت الماضي في طقوسه ووسائله وأدواته. التاريخ هو السلطان الأقوى عند الشعوب والأمم. وهكذا كانت الجنازة.. استعراض للتاريخ، وقوته، وسطوته، وفرض نفوذه وإرادته. جنازة أعلنت من جديد استمرار صناعة الهيبة. وجاء قسم الملك الجديد ليثبت أن الدين محور بقاء التفوق، وتأسيس الإمبراطوريات. باسم الدين جعلوها أعظم الجنازات. جعلوها جنازة استثنائية تمثل لعبة القوة ولعبة الموت. يا لهم من إنجليز.. إنهم (بقعا وصكّاتها).

[ad_2]

رابط المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى